سورة المعارج - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المعارج)


        


{إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)}
فيه مسائل:
المسألة الأولى: قال بعضهم: المراد بالإنسان هاهنا الكافر، وقال آخرون: بل هو على عمومه، بدليل أنه استثنى منه {إلا المصلين}.
المسألة الثانية: يقال: هلع الرجل يهلع هلعاً وهلاعاً فهو هالع وهلوع، وهو شدة الحرص وقلة الصبر، يقال: جاع فهلع، وقال الفراء: الهلوع الضجور، وقال المبرد: الهلع الضجر، يقال: نعوذ بالله من الهلع عند منازلة الأقران، وعن أحمد بن يحيى، قال لي محمد بن عبدالله بن طاهر: ما الهلع؟ فقلت: قد فسره الله، ولا تفسير أبين من تفسيره، هو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع، وإذا ناله خير بخل ومنعه الناس.
المسألة الثالثة: قال القاضي قوله تعالى: {إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً} نظير لقوله: {خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] وليس المراد أنه مخلوق على هذا الوصف، والدليل عليه أن الله تعالى ذمه عليه والله تعالى لا يذم فعله، ولأنه تعالى استثنى المؤمنين الذين جاهدوا أنفسهم في ترك هذه الخصلة المذمومة، ولو كانت هذه الخصلة ضرورية حاصلة بخلق الله تعالى لما قدروا على تركها.
واعلم أن الهلع لفظ واقع على أمرين: أحدهما: الحالة النفسانية التي لأجلها يقدم الإنسان على إظهار الجزع والتضرع والثاني: تلك الأفعال الظاهرة من القول والفعل الدالة على تلك الحالة النفسانية، أما تلك الحالة النفسانية فلا شك أنها تحدث بخلق الله تعالى، لأن من خلقت نفسه على تلك الحالة لا يمكنه إزالة تلك الحالة من نفسه، ومن خلق شجاعاً بطلاً لا يمكنه إزالة تلك الحالة عن نفسه بل الأفعال الظاهرة من القول والفعل يمكنه تركها والإقدام عليها فهي أمور اختيارية، أما الحالة النفسانية التي هي الهلع في الحقيقة فهي مخلوقة على سبيل الاضطرار.


{إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)}
المراد من الشر والخير الفقر والغنى أو المرض والصحة، فالمعنى أنه إذا صار فقيراً أو مريضاً أخذ في الجزع والشكاية، وإذا صار غنياً أو صحيحاً أخذ في منع المعروف وشح بماله ولم يلتفت إلى الناس، فإن قيل: حاصل هذا الكلام أنه نفور عن المضار طالب للراحة، وهذا هو اللائق بالعقل فلم ذمه الله عليه؟ قلنا: إنما ذمه عليه لأنه قاصر النظر على الأحوال الجسمانية العاجلة، وكان من الواجب عليه أن يكون مشغولاً بأحوال الآخرة، فإذا وقع في مرض أو فقر وعلم أنه فعل الله تعالى كان راضياً به، لعلمه أن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وإذا وجد المال والصحة صرفهما إلى طلب السعادات الأخروية، واعلم أنه استثنى من هذه الحالة المذكورة المذمومة من كان موصوفاً بثمانية أشياء:


{إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)}
أولها قوله: {إِلاَّ المصلين * الذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ} فإن قيل: قال: {على صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ} ثم: {على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المعارج: 34] قلنا: معنى دوامهم عليها أن لا يتركوها في شيء من الأوقات ومحافظتهم عليها ترجع إلى الاهتمام بحالها حتى يؤتى بها على أكمل الوجوه، وهذا الاهتمام إنما يحصل تارة بأمور سابقة على الصلاة وتارة بأمور لاحقة بها، وتارة بأمور متراخية عنها، أما الأمور السابقة فهو أن يكون قبل دخول وقتها متعلق القلب بدخول أوقاتها، ومتعلق بالوضوء، وستر العورة وطلب القبلة، ووجدان الثوب والمكان الطاهرين، والإتيان بالصلاة في الجماعة، وفي المساجد المباركة، وأن يجتهد قبل الدخول في الصلاة في تفريغ القلب عن الوساوس والالتفات إلى ما سوى الله تعالى، وأن يبالغ في الاحتراز عن الرياء والسمعة، وأما الأمور المقارنة فهو أن لا يلتفت يميناً ولا شمالاً، وأن يكون حاضر القلب عند القراءة، فاهماً للأذكار، مطلعاً على حكم الصلاة، وأما الأمور المتراخية فهي أن لا يشتغل بعد إقامة الصلاة باللغو واللهو واللعب، وأن يحترز كل الاحتراز عن الإتيان بعدها بشيء من المعاصي.
وثانيها قوله تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8